من طرف محمد البرغوثي الخميس مارس 26, 2009 6:28 pmعندما يعترف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بأن ٨٨ ألف مواطن انضموا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة إلى شريحة العاطلين عن العمل، لا يملك أى محلل اقتصادى إلا أن يتعامل بجدية شديدة مع هذا الاعتراف، لأنه صدر عن جهة اختصاص.
وعندما تتوقع دراسة صادرة حديثاً عن «مركز تحديث الصناعة» تسريح نصف مليون عامل خلال عام ٢٠٠٩ بسبب تأثيرات الأزمة المالية العالمية، فإن أى محلل يعرف طبيعة هذا المركز، وأعضاء مجلس إدارته والمستفيدين من منحه وقروضه وبرامجه التدريبية، لا يمكنه إلا أن يتعامل بجدية شديدة مع هذا التوقع الكارثى.
ولكن عندما يتطوع الأستاذ هانى سيف النصر، الأمين العام للصندوق الاجتماعى للتنمية، ويعلن فى الاحتفال بالعيد القومى لمحافظة الفيوم أن دول الخليج منذ بدء الأزمة المالية العالمية فصلت ١٥٠ ألف مصرى، فإن أى متابع لأداء «صندوق العجب الاجتماعى»، هذا لا يمكنه أن يتعامل بجدية مع الأرقام الصادرة عن أمينه العام، ليس فقط لأن كل الأرقام والبيانات والإنجازات الصادرة عن هذا الصندوق لا تمت إلى الواقع ولا تمت إلى الإحصاء بأى صلة، ولكن لأن الأمين العام وصندوقه ليسا جهة اختصاص فى شؤون المصريين بالخارج، ولا يملك الصندوق من كل أدوات الإحصاء غير الحد الأدنى اللازم لإحصاء رواتب وعمولات وحوافز كبار موظفيه التى لا تخضع لأى رقابة من أى نوع.
من أين إذن حصل هانى سيف النصر على هذا الرقم لأعداد المصريين المفصولين من دول الخليج؟ سيقول قائل إن الرجل بإمكانه الحصول على الرقم من قطاع الشؤون القنصلية والهجرة فى وزارة الخارجية، وهذا رد وجيه جداً فى بلد آخر، ولكنه فى مصر يفقد كل وجاهته، لأن الشؤون القنصلية هذه لا تعرف عن المصريين فى الخارج أكثر مما يعرفه قراء الصحف، مع فارق أساسى، هو أن القراء يصدقون استغاثات المصريين فى الخارج من الظلم والتنكيل والفصل وضياع الحقوق، ولكن الشؤون القنصلية تكذب دائماً هذه الاستغاثات، وتصدق دائماً أباطيل أصحاب الأعمال الأجانب!
واللافت أن هانى سيف النصر استند على هذا الرقم الذى لا يعرفه سواه، وتوقع عودة أكثر من مليون عامل مصرى من الخليج وأوروبا خلال هذا العام.. ثم استخدم هذا التوقع ليدخل مباشرة إلى موضوعه: «الصندوق الاجتماعى يُعد حالياً ألف مشروع لتسكين العمالة العائدة من الخارج».
ثم يتوسع صاحب الصندوق فيعلن أنه سيقوم أيضاً بإقراض الفلاحين الذين يعانون الآن من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وانخفاض أسعار المحاصيل الزراعية.. ويتمادى الرجل فى مخططه التوسعى فيعين نفسه مسؤولاً عن إنقاذ صناعة صيد واستزراع الأسماك فى مصر من الانهيار، ويصرح بأنه أوفد ٣٠ مبعوثاً من الصندوق إلى اليونان لتدريبهم على صناعة الأسماك!
ولا يملك أى متابع إلا أن يطرح سؤالاً منطقياً: ما الدور الذى تركه «صندوق العجب الاجتماعى» لوزارة الزراعة؟. والحقيقة أننى عثرت على وظيفة شديدة الأهمية لهذه الوزارة تتلخص فى إحصائها لأعداد المصريين الذين دخلوا السجون بسبب قروض الصندوق الاجتماعى، وأعداد الهاربين من تنفيذ أحكام قضائية بالحبس لذات السبب، وأخيراً إحصاء أعداد المصريين الذين هربوا إلى الخارج بسبب ملاحقة الصندوق لهم، وعندئذ فقط سنعرف ما هو المصير الذى ينتظر الفلاحين والصيادين والزراعة والثروة السمكية إذا تحقق لصاحب الصندوق طموحه التوسعى!
