لا أقدم هذه الاستغاثة لمحافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير... فقد تلقى «وزير» عشرات الاستغاثات من سكان شارع أحمد الصاوى فى مدينة نصر، وتحت يده ملف ضخم يضم أحكاماً قضائية وتقارير أجهزة رقابية حول واحدة من أوضح وأفجر وقائع الفساد العلنى فى المحافظة، ولكنه اكتفى بتأمين نفسه من المساءلة القانونية، وترك الفاسد يواصل فساده، والمستغيث يضرب رأسه فى حوائط عمارة ضخمة أطلق عليها سكان المنطقة السادسة بمدينة نصر اسم: النصب التذكارى للفساد فى محافظة القاهرة.
إننى هنا أستغيث مع السكان من محافظ القاهرة.. لعله يعلم أن إفلاته من المساءلة والحساب عن كارثة الدويقة، وإلقاء تبعاتها على مرؤوسيه، هو أمر لن تسمح به منظمات المجتمع المدنى، ولن يسمح به آلاف المواطنين الشرفاء فى مدينة نصر، الذين أحاطوه علماً عشرات المرات بتفاصيل الكارثة المروعة التى ستحدث قريباً فى شارع أحمد الصاوى بمدينة نصر، والذى يشهد حالياً إقامة عمارة سكنية بسرعة مذهلة على مساحة ١٣٣٩ متراً مربعاً، تم اقتطاعها من حوش مجمع مدارس حكومية، بعد أن استولى عليها مقاول مغامر بعقد بيع مشكوك فيه، واستخرج لها رخصة بناء، واستصدر بها حكماً قضائياً كان سبباً فى حبس القاضى الذى أصدره، مثلما كانت الرخصة المشكوك فيها سبباً فى حبس رئيس حى شرق مدينة نصر الأسبق!
بدأت وقائع هذه الواقعة عام ٢٠٠٣، عندما فوجئ المسؤولون عن مدرستى أمير الشعراء الثانوية الحكومية، ومحمود تيمور الإعدادية الحكومية، بمعدات شركة مقاولات تحفر فى أرض الحوش الواقع أمام المدرستين، وتملّكتهم الدهشة عندما وقعت أعينهم على يافطة ضخمة مكتوب عليها بخط واضح عريض: «ترخيص بناء رقم ٤٦ لسنة ٢٠٠٣ لإنشاء عمارة سكنية مكونة من بدروم وأرضى تجارى و١١ دور سكنى متكرر بكل دور ستة شقق».
وكان هذا الترخيص سبباً رئيسياً فى كشف سلسلة من التجاوزات فى حى شرق مدينة نصر، انتهت بالقبض على رئيس الحى الأسبق، وعلى القاضى الذى ساعد شركة المقاولات فى استصدار هذا الترخيص، وصدرت ضدهما أحكام قضائية نهائية بالحبس والعزل من الوظيفة. نام المقاول المغامر عدة سنوات، قبل أن يظهر مرة أخرى فى فبراير ٢٠٠٨ بيافطة جديدة تشير إلى أنه تمكن من استصدار قرار بسريان الترخيص بتاريخ ١٨/٢/٢٠٠٧.
فتحرك المسؤولون عن المدرستين وسكان الشارع، وسارعوا إلى الدكتور عبدالعظيم وزير، ووضعوا أمامه ملفاً ضخماً بالأحكام القضائية وتحقيقات النيابة وتقارير جهاز الكسب غير المشروع والرقابة الإدارية.. والأهم من هذا كله وضعوا أمامه قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٩٤ لسنة ١٩٩٨ بتخصيص هذه الأرض لبناء مدرسة ثالثة وحضانة لأبناء الحى!
شكل المحافظ لجنة لفحص الموضوع، انتهت إلى قرار حاسم بأن الترخيص مزور، وقرار سريانه مزور، فأمر «وزير» بإيقاف البناء، فتوقف المقاول لعدة شهور قبل أن يعود مرة أخرى فى يناير ٢٠٠٩ لينصب اليافطة ويبدأ وبأقصى سرعة بالحفر وتجهيز الأساسات..
وفى أقل من شهر انتهى من بناء ٧ طوابق سكنية، يعرف أحدث مهندس معمارى أنها ستنهار إن آجلاً أو عاجلاً فوق تلاميذ المدرستين، وفوق ساكنيهما المساكين. هل تعرفون كيف تمكن المقاول من بناء هذه العمارة؟ وهل تعرفون الحيل القانونية التى لجأ إليها المحافظ لإخلاء مسؤوليته عن هذه الواقعة؟ سأكشف هذا فى مقالى المقبل إذا لم يسرع المحافظ بهدم هذه العمارة فوراً.