لجنة «وزير» ومسدس اللواء

لم يرد محافظ القاهرة الدكتور عبدالعظيم وزير على المقال الذى كتبته فى هذه الزاوية الأسبوع الماضى، حول العمارة الضخمة التى تمكن مقاول مغامر ومسنود من إقامتها بسرعة مذهلة وبترخيص مزور على مساحة ١٣٣٩ متراً اقتطعها من حوش مجمع مدارس فى شارع أحمد الصاوى بمدينة نصر، وهى الأرض التى اكتشف سكان الشارع أنها مخصصة لبناء مدرسة ثالثة وحضانة بالقرار الجمهورى رقم ٢٩٤ لسنة ١٩٩٨!ولم أندهش من عدم رد المحافظ،

لأننى أعلم يقيناً أنه لا يملك أن يدحض كلمة واحدة مما كتبته، ولأنه يعلم أننى أملك كومة مستندات تنطق كل ورقة فيها بأهوال لا تترك مجالاً لأى مسؤول للالتفاف على الأمر حتى ينتهى المقاول المسنود من بناء عمارته بترخيص مزور على أرض لا يملكها!

ولكننى عرفت ما حدث، فقد استدعى المحافظ مرؤوسيه بعد قراءة المقال يوم الأربعاء الماضى وطلب منهم المشورة، واختار أن يمنح المقاول ثلاثة أيام إضافية تمكن خلالها من إضافة طابق جديد إلى العمارة الضخمة.

وصباح السبت الماضى، أصدر المحافظ قراراً بوقف أعمال البناء تماماً فى العمارة حتى يفصل القضاء بحكم نهائى فى القضية، ويوم الأحد الماضى توجهت لجنة من حى شرق مدينة نصر مدعومة بحراسة أمنية وقامت بمصادرة الخلاط والمعدات المستخدمة فى البناء، وانسحبت اللجنة بعد أن علقت على حائط العمارة «يافطة» كبيرة تشير إلى أن المحافظ قرر وقف أعمال البناء فى هذه العمارة.

بعد ساعات من انسحاب لجنة المحافظ ظهر أسد هصور يعرفه السكان باسم «اللواء»، قام بانتزاع اليافطة ومزقها أمام السكان، ثم انتزع هذا «البتاع اللواء» مسدساً من خاصرته وراح يسب ويلعن كل الذين وقفوا ضد بناء العمارة بترخيص مزور على أرض مسروقة من حوش المدرستين! وصباح الاثنين الماضى عاد اللواء الفظيع ومعه جيش من الفواعلية للاستعانة بهم على استكمال البناء بدلاً من المعدات التى سحبتها لجنة المحافظ!

وهكذا، وللمرة الثانية أخلى محافظ القاهرة مسؤوليته القانونية عن هذه الكارثة، وانتهى - كما يظن - من تستيف الأوراق التى تعفيه من المساءلة، وترك الأمر برمته للقضاء وهو يعلم تمام العلم أن إجراءات التقاضى تخضع لتحايلات مرهقة، ويستخدم فيها المقاول المسنود كل أساليب إساءة استخدام حق التقاضى، ويماطل بأقصى ما يستطيع لتعطيل الفصل فى أمر شديد الوضوح سبق الفصل فيه عدة مرات، وكلما اقتربت النهاية يلجأ محاميه إلى عدم الحضور،

وعندما يحضر يفاجئ المحكمة بطلبات جديدة وبعد الاستجابة لطلباته يطلب مهلة للاطلاع، وبعد الاطلاع يعود مرة أخرى إلى الامتناع عن الحضور، وتنصرم الأسابيع والشهور دون فصل فى القضية، حتى ينتهى المقاول المسنود من بناء العمارة الضخمة وبيع كل وحداتها السكنية لمواطنين لا شأن لهم بهذه الألاعيب، وفى النهاية سيصطدم حكم المحكمة بواقع يستحيل معه تنفيذ الحكم لضرورات أمنية!

هل يملك المحافظ إصدار قرار بهدم ما بناه هذا المقاول؟ نعم، يملك، ولو لم تكن هذه العمارة مملوكة فى الأساس لمقاول مسنود لقام المحافظ بهدمها، ولكننى أعدكم بتسليم كل أوراق ومستندات هذا النصب التذكارى للفساد فى قلب العاصمة، لكل مؤسسات ملاحقة الفساد حتى يعود حوش المدرسة لتلاميذ مدينة نصر.

بقى شىء شديد الأهمية سألنى عنه عدد من القراء: وأين وزير التربية والتعليم من هذه القضية؟ والإجابة أنه يملك هو الآخر كومة مستندات تؤكد فداحة الفساد فى بناء هذه العمارة.. ولكنه مشغول حتى النخاع بأشياء أخرى لا علاقة لها بالتربية ولا بالتعليم ولا بأرواح التلاميذ الذين ستنهار هذه العمارة فوق رؤوسهم.